كيف تجعل من تاريخ مولدك نقطة تحوُّل في حياتك؟
يحتفل العالم بين الفينة والأخرى بمولد
عظيم من العظماء كان مولده ميلاد عصر جديد أو نقلة نوعية في إطار ما … قد
يشمل البشرية جمعاء، أو تُختصُّ به أمةٌ أو مجتمع أو فئة أو شريحة ويكون
الهدف من هذا الاحتفاء الحفاظ على آثار ذلك العظيم وإنجازاته وإحياء
تعاليمه ونشر مبادئه والتذكير بفضله وما تركه من أثر طيب يهتدى به من
بعده، وبقدر صوابيته وخيرتيه وشموليته وما يحتويه من عناصر التوازن يكون
قدر ذلك العظيم.
وقد مرّت علينا مناسبة ذكرى مولد سيِّدنا
وحبيبنا وقائدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فكيف كان احتفاؤنا يتلك
الولادة؟ بل هل فهمنا –مع هذه الذكرى- مع الولادة الحقيقية لذواتنا؟
لا شكّ أن كل واحد منّا يطمح أن يكون مولده نقطة فارقة في حياة الأمة ومسيرتها، لذلك لا بدّ من طرح عددٍ من التساؤلات:
- من أين يستمد كلّ منا قيمته ؟؟؟ وما الذي يضمن ديمومة هذه القيمة ؟؟؟
- ماذا سيخسر العالم بموتنا؟؟؟ وما الذي سيحيينا بعد فنائنا ويُبقِي
أثره من بعدنا ذكرى خالدة تشهد لنا يوم الحساب وترفع درجاتنا في الجنة ؟؟
نعم، المطلوب أن تجعل من تاريخ مولدِك فرصة لمولدك الحقيقي، ولكن دعني
أوجه وعيك لأحدِّد لك مقصدي من كلمة مولدك؛ بمعنى أيُّ مولد وميلاد أقصد!.
- أهو مولد جسدك يوم جئت إلى الدنيا؟
- أم ميلاد وعيك الأولي (سنّ البلوغ)؟؟؟
- أم ميلاد وعيك الحقيقي (سن الرشد)؟؟؟
- أم ميلاد إنجاز وعيك الحقيقي (رسالتك في الحياة)؟؟؟
أريدك أن تفكر بعمق…. وتجيب على سؤالي: هل تحتفل بذكرى ميلاد جسدك أم بمولد ذاتك؟
إنها تساؤلات مهمة حريٌّ بشباب الأمة أن تفكر بها…
فماذا يعني ..أنك بالغ عاقل راشد مكلَّف؟
أعتقد أن قيمة مولدك مسألة أعمق بكثير من ولادة جسدك… والبلوغ أعمق من أن
يكون بلوغاً فيزيولوجياً… فأنت أرقى الكائنات التي تتساوى معها في مظاهر
التغيرات العمرية … -كالبلوغ الفيزيولوجي والتهيئة الجسدية للتزاوج
والاستعداد للحمل والولادة- وإنما قيمتك في بلوغك ما أراد الله أن يبلِّغك
إياه وطلب منك تبليغه … وما عقلت ووعيت من رسالته لك شخصياً وما أُرشِدْتَ
إليه من مقومات قيامك برسالتك، وكنتُ ممتحناً بها في الدنيا ومحاسباً
عليها في الآخرة.
لذلك أدعوك أن تعيَ ولادة وعيك الأول (البلوغ) وهو ما سيدفعك نحو التامل
والتفكر بنضج وعيك الذي سيؤهلك لحمل رسالتك داخل ذاتك كغار حراء الذي كان
يتأمل فيه حبيبنا محمد حيث منح فضائل وأنوار (إقرأ وربك الأكرم) (ولقد
يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) وأريدك أن تعي أن ببلوغك سن الوعي
(البلوغ) أصبحت مسؤولاً عن نفسك مسؤولية تامة وأنك انفصلت عن مسؤولية
الوالدين، وبقي لهم عندك حقّ البر والإحسان والنصح بعد أن كانت مسؤولية
رعايتك وتربيتك وإرشادك.
لذلك أنتم مدعون أيها الشباب لتولي قيادة ذواتكم واختيار طريقكم والتخطيط
لمجمل حياتكم والوعي التام لتفاصيلها قبل الممات وبعد الممات وما بعد بعد
الممات.
وأعجبُ كلّ العجب ممن يحتفلون بذكرى ميلاد أجسادهم ولا يفرحون ويستبشرون
بولد وعيهم .. وكأنهم يريدون أن يحتفلوا بجهلهم.. فكتاب ربّنا يخبرنا
بأننا نولد جهلاء، فهو يقول: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ
أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ
وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾[ النحل:78]، فنحن
نحتفل بحالة ﴿ لا تعلمون شئيا﴾[النحل: 78] ولا نشكر حالة الوعي والرشد
والتكليف.
وحتى تكوِّن الفرق بين التكليف العام وهو مجموع الشعائر التعبدية والشرائع
في كل مجال، التي طلبت من كل مسلم ومسلمة وبين التكليف الخاص بك أي ماخصك
الله به من مزايا وقدرات ودعاك إلى معرفتها وتقديرها والتساؤل عن الوظيفة
الخاصة والمنصب الخاص الذي تستطيع أن تفلح فيه مؤسسة الإعمار الرباني ﴿
هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]،
كما أريدك أن تعيَ الفرق بين المكلف الحقيقي ( الله ) والمكلِّف الراعي
المسؤول (الوالدين )
فإذا أردت أن تعرف حقيقة تكليفك عليك أن تركز في كل صلاة على قوله تعالى ﴿
اهدنا الصراط المستقيم﴾[ الفاتحة:6]، ومن الهداية أن تقرأ هذه القواعد
الربانية التي تبدأ بقوله جلّ وعلا: ﴿لا يكلف الله نفسا إلا ما
أتاها﴾[الطلاق:7] فتنظر فيما وقوله عزّ وجل ﴿لا يكلف الله نفسا إلا
وسعها﴾[البقرة:286] لتستثمر كل الوسع والطاقة.
فأنت مكلّف بما آتاك، ثم مكلّف على قدر وسعك بما آتاك، أن تبذله على الوجه الذي يرضى الله تعالى في الدنيا والآخرة،
إذاً، أنت مدعوٌ لأن تعي ما آتاك، ووسعك فيما آتاك وموقعك الذي انتدبك له…
فالمكلِّف العليم الخبير اللطيف العادل أتاك كل ما يلزمك لأداء رسالتك
وحمَّلك المسؤولية بقدر وسعك، وفوق ذلك فقد يسّر لك الطريق طريقك سلامة
على تؤكد علامات وجعل لك… فإن أتقنت قراءة العلامات على الطيق ستجد نفسك
مميزاً وانت تسدّ ثغرك الذي صمم على مقاسك والذي لا ينبغي ولا يصلح لأحد
غيرك…
فمولدك الحقيقي الآن هو: أن تعيَ هذه الحقيقة وبوعيك ستصنع نقطة تحوّل في حياتك …
أما لو سألتني كيف أقرأ وأعرف ما آتاني وأقدِّر وسعي وأتعمق بذلك لأتعرف
على قدراتي، فسأجيبك عنه في مقال الشهر القادم بإذن الله تعالى
للدكتور حمزة الحمزاوي
جزا الله خير كل من ساهم في نقل الموضوع أو تفريغه
الرابطhttp://www.roua-group.com/index.php/ug4host/1182#more-1182
.